القائد العيادي الرحماني (الجزء الثاني) ل ذ.عمر الابوركي: القائد وملكية الأرض
ثانيا: القائد وملكية الأرض
إن القائد المغربي هو مالك كبير للأرض وهي مؤشر على ثروته.و العيادي نفسه لا يخرج عن هذه القاعدة،حيث استطاع أن يوسع ملكيته العقارية التي تجاوزت المجال الرحماني،ووصلت إلى مناطق خصبة كان يملك فيها أراضي هامة،سواء بالحوز أو مناطق زمران والشاوية تقدر بآلاف الهكتارات.لقد لجأ إلى الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحجز والمصادرة،وهي حالة كل النماذج القائدية التي كان العنف وراء توسع أراضيها.فمن بين هذه الأراضي توجد بعض ممتلكات القائد السابق عبد الحميد الرحماني،كما قام بنقل بعض الجماعات والعشائر من داخل الحوز إلى أماكن داخل الرحامنة ليصادر أراضيها الخصبة هناك.
نظرا لقلة اليد العاملة،فان أراضي القائد يعمل فيها كل أفراد القبيلة بطريقة إجبارية في عملية التويزة.و قد وصف لنا جل المستجوبين بدقة تنظيم هذه العملية التي يسهر عليها الشيوخ و المقدمون. و كان الناس يشتكون من تعسف هؤلاء، ومن العناء و المشقة التي يكابدون، لان فترة الحرث كانت تفرض عليهم العمل في أراضي القائد و أراضيهم الخاصة مما يتعب الإنسان و الحيوان.كان القائد يحضر هذه العملية بنفسه خاصة في المناطق الخصبة « البحيرة « ، و في مناطق أخرى ينوب عنه الخلفاء. و تقربا من القائد كان الشيوخ يفرضون على أهل القبيلة زراعة الأرض و حرثها، و تنظيم حفلات الفروسية احتفاء بالقائد، مما يهدد بفوات الأوان على حرث أراضيهم.و قد كان بعض الأعيان داخل الرحامنة يكاتبون المخزن يرفعون له تظلمات القائد و أعوانه،ويصفون له ما يلحقهم من ضرر نتيجة هذا العمل الإجباري. و نقتبس نصا من وثيقة كتبت في الأربعينات تصف الطريقة التي كانت تنظم بها التويزة لصالح القائد العيادي : « كان الناس لدى تهاطل الأمطار الأخيرة في شدة من الفرح ينوون قيامهم بالفلاحة في الوقت المناسب لها، إلا أن القارعة التي أصابتهم إذاك من لدن سلعة القائد العيادي،عاقتهم عن عملهم الفلاحي في وقته و هي أن القائد أمر أعوانه بأن يذهبوا لكل ناحية من نواحي الرحامنة و يرغموا الفلاح على إتيانه بأزواجه أو زوجه المعدة للحرث ليعملوا التويزة،و هكذا ظل عمله إلى أن قضى مآربه. وحين رجع الفلاح المسكين لحقله وجد ري الأرض قد غص،وكل هذه الأعمال الشنيعة كان يقوم القائد بها بنفسه تاركا كل شغل يشغله.و قيل إن أشياخ البحيرة لحسن بن عمر و احمد بن المكي هيئا له قبيلة ما بين سلام العرب أهل المحرة و سلام الغرابة و اجتمع عليه بعض الأعيان مع الشيخين المذكورين و الناس في شدة من الضغط و الإكراه على التويزة،فأهل الشياخة لحسن بن عمر ثلاثة مائة عبرة قمحا و أهل شياخة احمد بن المكي مائتي عبرة من القمح.و لدى يوم افتتاح التويزة اصطف الشيخان و أبناؤهما و بعض الأعيان أمام الخيمة المضروبة له(…).
أما تويزة بوشان لم يحضرها بنفسه و إنما كلف ابن أخيه بها احمد بن الحسين النائب في تلك الناحية،إلا أن الأسلوب الذي تمشي عليه القائد ليس هو الأسلوب الذي مشاه ابن أخيه هذا،فابن أخيه هذا في هذه التويزة ابرق و أرعد،كان لا ينام ليله كاملا لشدة عزمه و إظهار نصاحته لعمه القائد حتى انه على طول المسافة التي بينه و بين بوشان كان يحضر التويزة عند أذان الصبح زد على ذلك أن كل من تعطل عن الوقت للحضور،يذعر بألف فرنك وكم من أناس تعطلوا لبعد المسافة.أما هؤلاء فتزداد عليهم العقوبة و هي إبقاء آلات حرثهم بمحل التويزة يومين زجرا لهم لمن يتعطل.و هذه التصرفات التي يعامل بها فلاحو الرحامنة.و السلام ».(*)
إن هذه الأراضي كانت في معظمها خاضعة لتنظيم « العزيب » و التي يضع القائد على رأسها مقدما ينظم إنتاجيتها،و يسهر على تسييرها.و قد تعددت هذه العزائب و الأراضي من خلال ممتلكاته قرب ابن جرير (الحندير-الحاشية) وبالحوز (القرنية-أيت امحمد-فدان العريان)و بمراكش (المحامدية-تافراطة-بين السواقي).و في كل مناطق الرحامنة كانت لديه أراضى، وكان يرسل من يعمل داخلها خلال فترات الحرث أو الحصاد لاسيما إذا كان العزيب يتواجد خارج منطقة نفوذه.و يكون هذا العمل دون أجر،مقابل أن يتكلف مقدم العزيب بإطعامهم و إيوائهم فترة العمل.إن عملهم مجاني و مؤقت داخل عزيب القائد الذي لا يخضع لضريبة الترتيب،كما أن العاملين به سواء الدائمين،أو الموسميين يعفون من أداء الفريضة لأن العزيب يعتبر منطقة ذات حصانة حتى ولو كان خارج المجال القبلي التابع للقائد. (7)
ساعد العيادي الفرنسيين داخل الرحامنة و يسر دخولهم إلى مراكش فشجعوه على توسيع ملكيته العقارية بمنطقة الحوز وتشكلت اقطاعات: « تاركة » و « المرابطين » و »الويدان »و « العرقوب ».وتمكن من استرجاع الأراضي التي كانت قبيلته قد طردت منها نهاية القرن الماضي،وتراكمت ممتلكاته ب »البحيرة »وحدها،وهي أغنى أراضي الرحامنة لتصل إلى مايقرب15.000هكتار.
وبفعل الدافع السياسي استفاد القواد من المؤسسات الاستعمارية المالية بحيث كانوا يستفيدون من القروض ،و من أراضي الاستعمار مثل المعمرين.وهكذا استفاد القائد العيادي بمساعدة شركة الاستثمار الفلاحي « أمريكانا » البلجيكية من الحصول على أراضي هامة بمنطقة « الويدان ».إن توسع ممتلكاته كان بتوازي مع توسع سلطته،وبمساعدة الإدارة الاستعمارية.لكن بعد أن أثقلت الديون كاهله، ستتقلص هذه الثروة العقارية بعد أن اضطر لبيعها،وأصبح مصدرا لمن يريد شراء الأرض.و في هذا الصدد تحدث بول باسكون عن مآل هذه الثروة العقارية قائلا : « كانت ديون العيادي أسطورية،إذ كان يعيش في بداية الحماية في مستوى يجعله ندا للتهامي الكلاوي و لكن بمدخول اقل بما أن أراضيه كانت اقل مساحة من أراضي الكلاوي و اقل سكانا و يعطي ضرائب أقل،و الإدارة كانت تراقب أملاكه بكل سهولة.(…).غير أن العجز المالي المستمر لقائد الرحامنة قد تضخم نتيجة لتزايد القروض بالرهن تلاه بيع الأملاك المرهونة لصالح الأملاك الخاصة للدولة.و هكذا جرت مفاوضات ودية سرية أتاحت لمصلحة الأملاك المخزنية أن تستولي على « سعادة » و « الصوالح » و »التاركة » و « سكارة » و مساحة كبيرة من « العرقوب ».وقد ظل القائد العيادي إلى حين وفاته(…) يبيع أراضيه لكي يسدد حاجاته اليومية،و آخر ما قام به بيع قطعة « المحامدية » مساحتها 800هكتار مسقية بمياه الويدان ». (8)
كانت أغلب الأراضي داخل القبيلة جماعية و الاستغلال أيضا جماعي نظرا لوفرتها،و شساعتها و غلبة النشاط الرعوي،و لم تتحدد الملكيات الفردية إلا بعد استتباب الأمن وبسط السلطة القائدية.وتفاديا لاستيلاء الفرنسيين على بعض الأراضي،دفع القائد العيادي أعيان القبيلة وشيوخها للمطالبة بحق التحفيظ حتى لا تخضع هذه العقارات لوصاية الإدارة الاستعمارية.فنظمت مسيرة إلى أحد أضرحة مدينة مراكش،وتدخلت السلطات الفرنسية بالعنف،لكن أمام إصرار هؤلاء الأعيان أحدثت المحافظة وانطلقت عملية تسجيل الملكيات الخاصة. هذا التحول الذي عرفته القبيلة لأول مرة،و أصبحت ملكية الأراضي مسجلة،ومحفظة مما دفع الأفراد إلى توسيع ممتلكاتهم،والاستحواذ على أراضى هامة مما كبح جماح توسع ملكية المعمرين الأجانب بالقبيلة.(*)
إن تلك الأسر التي تواجدت إلى جانب القائد في ممارسة السلطة أصبحت تملك عقارات شاسعة,نظرا لغياب تحديد مقنن للأراضي قبل هذه الفترة.إن التحفيظ العقاري تحول كبير غير معالم ملكية الأرض،ومكن الإدارة الاستعمارية من ضبط الملكيات الفردية،وسهل عملية شراء الأرض من طرف المعمرين،وتجاوز العوائق التي تحول دون ذلك لاسيما في المناطق الرعوية كأراضي الرحامنة التي كان النظام الجماعي للأرض يرتبط بالحاجة و إمكانيات الأفراد،أكثر مما يرتبط بقوانين مضبوطة.إذن لضبط هذه العملية جاء التحفيظ العقاري،ومكن الأعيان أو أصحاب السلطة من توسيع ملكياتهم ومصادرة العقارات،وتحفيظها. (9)
إن هذه الصورة التقريبية لملكية العيادي تؤكد عقارية القائدية،وأن طبيعتها التي خضعت للتوسع ثم تقلصت بحكم الديون و البيع ثم الرهن،تجعل هذه الثروة التي يبنيها القائد بفعل سلطته و علاقته مع الاستعمار،سرعان ما تتراجع لأنها ثروة هشة،متنوعة المصادر،من التجارة إلى الزراعة،إلى التشارك مع الأجانب،دون أن يكون القائد المغربي رجل اقتصاد وتدبير،بل إن هذه الثروة تبنى أساسا على امتلاك السلطة،وهكذا بمجرد تراكمها تتهاوى عندما يفقد تلك السلطة.و بناء على كيفية تراكم ثروة القائد، يمكن اعتباره ذلك الذي يعيش من السياسية، لأنه يعتمد وظيفته كمصدر لموارده المالية، و لأن ثروته تقترن بفعاليته السياسية.
- وثيقة اطلعت عليها، عند أحد المستجوبين كان ينتمي إلى جمعية شكلت لمكاتبة السلطة المركزية حول ممارسات القائد العيادي،ومساعديه من خلفاء وشيوخ،وتواطئهم مع ممثلي الإدارة الاستعمارية.
Commentaires récents