• Non classé
  • 1

القائد العيادي الرحماني (الجزء الرابع) ل ذ.عمر الابوركي:القائد وتحول المجال القبلي

القائد العيادي وتحول المجال القبلي

القائد العيادي  في خمسينيات القرن العشرين(1952)

القائد العيادي في خمسينيات القرن العشرين(1952) Le Caid Layadi en 1952

لاشك أن القائدية ساهمت في زعزعة البناء الاجتماعي و الاقتصادي داخل العالم القروي.و يمكن الوقوف على هذا التحول داخل المجال الرحماني خلال النصف الأول من القرن العشرين بفعل سلطة القائد العيادي من جهة،و متغيرة الاستعمار من جهة أخرى.وهو تحول تجلت معالمه اقتصاديا على مستوى بروز الملكية العقارية الفردية،و تركيز هذه الملكيات لدى اسر معينة،و اجتماعي تجلى في الهجرة التي عرفتها القبيلة.مما جعلها تنتظم إداريا داخل تقسيم ضريبي أكثر منه اثني، يتحكم الجهاز القائدي في تسييرها. عكس بعض القبائل الأخرى عرفت قبيلة الرحامنة تركيز السلطة في يد عدد قليل من القواد مقارنة مع نهاية القرن الماضي،لتصبح عبارة عن قيادة كبيرة على رأسها العيادي الذي اعتمد على مجموعة من الأسر استفادت من ممارسة السلطة،بعد أن ساهمت التحولات السياسية في تركيز سلطته. وساعد ذلك على تنظيم القبيلة و مجالها الواسع،وضبط مواردها الجبائية،فأصبحت تؤدي واجباتها المالية كالترتيب و الفريضة و يساهم أفرادها في التويزة،إضافة إلى السخرة ،و المونة التي تدفع إلى الشيوخ و الحراس الذين ينفذون أوامر القائد.

عرفت البادية المغربية أزمات اقتصادية متكررة،وانتشر الوباء،وعم الجفاف والمجاعات سواء خلال الثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن العشرين،حيث تضاءل المنتوج الزراعي و تضاعفت أثمان المواد الغذائية،ومع توسع الملكيات الخاصة هاجر الذين لا يملكون أرضا بحثا عن وسيلة للعيش نحو المدن المجاورة.ويمكن اعتبار الهجرة كحركية اجتماعية زعزعت البنية القبلية كإحدى أهم معالم التحولات الاجتماعية التي أدت إلى بروز « بروليتاريا » ناشئة تقطن مدن الصفيح و الخيام داخل المدن و خاصة بمدينة الدار البيضاء.(19)

خلال سنوات الجفاف و الأوبئة هاته عرفت قبيلة الرحامنة نزوحا مكثفا نحو مدينتي مراكش و الدار البيضاء،و ذلك إما بسبب العامل الطبيعي أو هربا من الضرائب التي يعجزون عن أدائها للقواد. وتكون هذه الهجرة موسمية ومؤقتة أو دائمة وتستقر بعض الأسر التي أصبحت من ساكنة المدن بعد أن غادرت العالم القروي خلال الفترة الاستعمارية.إن الهجرة عزاء أمام الوضعية الاقتصادية المتأزمة للفئات الفقيرة و فرصة أيضا أمام مالكي الماشية الذين يتوجهون نحو القبائل المجاورة خاصة قبيلة الشاوية بحثا عن الماء و المرعى.ونظرا لنفوذ القائد العيادي,فانه كان يتوسط لدى قواد المنطقة الذين يعلنون في الأسواق عن قدوم الرحامنة و يحذرون من منعهم أو صدهم عن المراعي و الآبار.كانت للقائد العيادي علاقة جيدة مع ممثلي الإدارة الفرنسية بالمنطقة كرئيس دائرة الرحامنة دولافوس« DE LAFOSS»,و المراقب المدني بابن جرير بونامي« BONAMY » لأنه من بين القواد الكبار فقد كانت سلطته تتعدى سلطة المراقب المدني.لذلك عندما كانت الإدارة الاستعمارية تقدم المساعدات الغذائية خلال أزمة الأربعينيات من القرن العشرين ،وهي السنوات التي عرف المغرب فيها المجاعة والجفاف خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (عام البون)، كان القائد العيادي يسند هذه المهمة لبعض المقربين منه،فكانت فرصة لهم لجمع الثروات و شراء العقارات و الأراضي.لقد استغلوا فترة القحط و ندرة المواد الغذائية،و نشاط التهريب لتوزيع المساعدات بالمقابل أو بيعها وهؤلاء هم : «أغنياء عام البون ».إن هذه الإفرازات الاجتماعية و الاقتصادية التي ظهرت بفعل السلطة الاستعمارية من جهة ،وسلطة بعض القواد من جهة أخرى ،وهذا يؤكد أن هذه المؤسسات لم تعمل على تنمية العالم القروي،و لم تمارس الوظيفة الاجتماعية بمساعدة الناس أيام الأزمات.وقد كان الناس يرفعون تظلماتهم إلى المخزن يشتكون إخلال القائد بهذه الوظيفة الاجتماعية وتحكي وثيقة رفعتها إحدى الجمعيات إلى السلطة المركزية عن هذا الوضع في إحدى فقراتها :« كان الناس يأملون أن يأخذوا حظهم من المنسوجات القطنية كغيرهم من القبائل إلا انه طال انتظارهم حتى جادت قريحة المراقب المدني بمنحه لسكان الرحامنة كمية من الكتان و لكن إسعافه هذا كان من نتيجة القائد وحده فقط.إذ أن المراقب على ما يغيض،ليس قيامه بهذا الواجب كناصح لدولته الفخمة بل أعماله هذه كلها ترجع إلى أعمال شخصية منها ألقى جميع المسؤوليات على كاهل العيادي.وفي باطن الأمر نجد أن سياسته هذه لمصلحة نفسه وبعبارة صريحة عدم توزيعه بنفسه على سكان الرحامنة دليل على مشاركته للقائد فيما يختلس من تموين الرحامنة،ذلك أن المراقب المدني تخول له وظيفته حق المراقبة حتى يتوصل كل فرد من سكان الرحامنة بمنابه من التموين، ولكن لا نقول بأن المراقب يجهل ذلك إلا أن اتفاقيته مع القائد فرضت عليه ذلك. »(*)

إن مثل هذه الوقائع تبرز الدور الذي كان القائد المغربي يلعبه بتواطؤ مع ممثلي السلطة الاستعمارية في تهميش، واستغلال العالم القروي،ومنح الفرصة لفئة من أقربائه ومساعديه من أجل تكديس الثروات و تكديح المزارعين الذين تحولوا إلى رباعة وخماسة، وأجراء،وهاجر البعض منهم نحو المدن القريبة.

لا يمكن إغفال الجانب الاجتماعي للقائد المغربي،فهو رجل حرب وسياسة،وهو أيضا محسن يقوم بأعمال تضامنية،يشيد المدارس والمساجد،يسهر على المواسم السنوية،ويقدم الهدايا للقيمين على الزوايا والأضرحة،ويعفي شرفاءها من الضرائب رغبة في ولائهم،واعتقادا في بركتهم.فالقائد العيادي مثلا شيد مجموعة من المساجد بمراكش وبجهات مختلفة من قبيلة الرحامنة،واستقدم لها فقهاء من سوس يدرسون بها العلوم الدينية.وبتأثير من صديقه الفقيه المختارالسوسي أنشأ مدرسة قرآنية، اشتهرت باسم المدرسة العيادية بان جرير،والتي استقطبت طلابا من خارج المنطقة،كانوا يأتون إليها لتلقي العلم،ويتكلف القائد باحتياجاتهم من مؤونة وكسوة،وقد حبس عليها بعض ممتلكاته من المنازل والأراضي،والحمامات والأفران لتبقى لها مصدرا ماليا دائما.


خاتمة:

لقد سجل القائد العيادي حضوره داخل النسق السياسي الذي تبوأته القائدية داخل القبيلة تم مدينة مراكش بل على مستوى أوسع عندما احدث قطيعة مع المؤسسة الاستعمارية.فتميز في المرحلة الأولى للاستعمار على منافسيه من القواد الرحامنة محليا،وامتاز في المرحلة الثانية عن رفاقه من القواد الكبار وطنيا.
كانت تلك سيرورة هذا النموذج القائدي الذي يقدم لنا صورة القائد المغربي الذي يعكس نوعا من المفارقة التاريخية، من تأييد السلطان مولاي عبد الحفيظ كرمز لمواجهة الغزو الأجنبي، إلى مساعد لهذا التدخل الأجنبي،وينتهي به المطاف إلى قائد وطني خارج الحلف الاستعماري.وقد اختلفت الروايات بين الثناء الذي جعل من العيادي قائدا كبيرا بشجاعته البطولية وتنظيمه للمجال القبلي داخل الرحامنة،وبنمط عيشه النبيل،وكرمه الزائد، وبين تلك الصورة القاتمة التي طبعها الاستغلال للقبيلة وتكديس ثروة مالية وعقارية هامة.كان رجلا قويا وصديقا وفيا لفرنسا،وقائدا وطنيا لم يندمج في المخطط الاستعماري خلال الخمسينيات من القرن الماضي،وبقي وفيا لملك البلاد الشرعي.تلك هي الصورة التي حفظتها ذاكرة الرجال الذين عايشوه،ودونتها الكتابات الاستعمارية عن القائد العيادي في المجال والزمان.


*نفس الوثيقة التي سبق ذكرها،والتي تنسب إلى جمعية تشكلت لرفع تظلمات القائد إلى السلطة المركزية.


الهوامش

-1MAXWELL.G.-El Glaoui dernier seigneur de l’Atlas (1893-1956). Paris, Fayard, 1968.p.79.

-2LADREIT DE LACHARRIERE,J.- L’œuvre française en chaouia. IN, RC, 9, Sep.1910, p.274

-3JUSTINARD,L .- Un grand chef berbère :Le caïd Goundafi. Ed. Atlantides, Casablanca, 1951.pp.92-95.

4- السوسي،محمد المختار.- المعسول.ج.20،الدارالبيضاء،1960 ،ص.65.

5- السوسي،محمد المختار.- المعسول.ج.20،نفس المرجع السابق،ص.65.

-6 JUSTINARD,L .- Un grand chef berbère le caïd Goundafi…op.cit.,p.98.

7- من خلال جلسات متكررة مع المستجوبين،أحصينا مجموعة من الإقطاعات الزراعية في ملكيته، متفرقة في أماكن متعددة،ونذكر منها:عزيب أولاد عبو قرب منطقة دكالة حوالي(1200هكتار) ، عزيب القليعة بالصخور الرحامنة حوالي(1000هكتار)،عزيب الكعدة(700هكتار) وكان العيادي يخصصه للنزهة الربيعية كل سنة،عزيب أولاد بوزيري بالشاوية(حوالي 500هكتار)،عزيب العرقوب بمنطقة زمران(11000هكتار).

PASCON,P .- Le Haouz de Marrakech. Rabat,1983.T.2, pp.456-457.

-9CELERIER,J.- Le Maroc. Paris, A.Colin.1931,p.161.

-10BOISBOISSEL,Yves, DE .- Dans l’ombre de Lyautey. Ed. A. Bonne, Paris, 1954.p.97.

11- السوسي،المختار .- المعسول. نفس المرجع السابق،ج.3.ص.369. وأيضا:

JUSTINARD,L .- Un grand chef berbère le caïd Goundafi…op.cit.,p.101.

12-MAXWELL,G .- El Glaoui dernier seigneur de l’Atlas.op.cit.,p.110.

13–WEISGERBER,F,Dr .- Au seuil du Maroc moderne. Rabat, Laporte,1947,p.356.

14- السوسي،محمد المختار.- المعسول. نفس المرجع السابق،ج.3.ص.374-375.

15–DEVERDUN, G.- Marrakech des origines à 1912.Rabat ;1959. p p.549-550.

16-PREVOST, J, LE.- El glaoui. Paris,Ed. Dialogue,1986. p.37.

17- عند تقديم وثيقة الاستقلال سنة 1944م اتصل عبد الله إبراهيم وعبد القادر حسن بالقائد العيادي،فأكد لهم أنه وراء الملك في القرار الذي سيتخذه.أنظر: غلاب، عبد الكريم .- تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب. ج.1. مطبعة الرسالة،الرباط،1987،ص.221.

18-MORSY, M.- El Hajj Thami El glaoui, un grand caïd contre le sultan et l’indépendance marocaine. In. Les Africains, T.8, Paris, 1977, p.97.

19-PREVOST, J, LE.- El glaoui. Op.cit., p.183.

20-GALLISSOT, R.- Le patronat Européen au Maroc (1931-1942). Ed. EDDIF. 1990, p.30.

Vous aimerez aussi...

1 réponse

  1. بن جديدة محمد dit :

    تحية اجلال وتقدير للمهتمين بمناطق مغربية لها تاريخ ولم تدون …..

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *