ورث القائد العيادي الرحماني النسب والثروة عن أسرته التي حافظت على هذه الزعامة منذ قرون.ولأن النظام القبلي كان يحتاج إلى رؤساء محاربين،فقد نشأ محاربا منذ طفولته،وشارك في حر°كات القبيلة ضد قبائل دكالة غربا،والسراغنة شرقا،وأولاد دليم جنوبا.وكانت وظيفة « الزطاطة » التي مارسها ضمن مجموعة من الرجال قد زادت من شهرته خارج مجاله القبلي،بحيث كان يراقب مجموعة من « النزالات »ويحمي الطريق إلى مدينة مراكش،ويؤمن المسافرين عبر المجال الرحماني.،وقد وصفه ماكس ويل « MAXWELL.G « بأنه: « قاطع طرق محترف ».(1) أكسبته هذه الوظائف مراسا في مجال الحرب والقتال،كما كانت مصدرا ماليا مهما،وجعلته يتميز بين أعيان القبيلة،و يكسب علاقات خارج نطاقها.استغل علاقاته العشائرية مع بعض الأسر الرحمانية،وكان لعاملي القرابة والحرب دور هام في تركيز سلطته،وبذلك لا يخرج عن قوانين وأسس النظام القائدي الذي احتد في هذه الفترة.حاول توسيع سلطته على حساب منافسيه داخل المجال الرحماني،وأهمهم القائد عبد السلام البربوشي،الذي هاجم قصبة العيادي « القليعة »،وحاول هدمها سنة 1910م،وقام بنهبها بمساعدة كلاوة،رغبة منهم في التخلص منه. تمكن العيادي بمساعدة إحدى العشائر من الفرار والدخول إلى مراكش،والتخلص من هذا التحالف رغم هزيمته. استطاع بالدهاء والعنف أن يعيد تركيز نفوذه في المنطقة، وينحي من ينافسه، عندما هاجم أحد الشرفاء بزاوية محلية نظرا لأن نفوذه أصبح يضايقه، وقد هدم هذه الزاوية ونهبها، ودفع سيدها إلى طلب الحماية من الفرنسييـن.(2) إن الاعتماد على بعض العشائر واللجوء إلى العنف مهدا له بناء سلطته مثل جل قواد تلك الفترة التي لم يكن المخزن يتوفر فيها على الوسائل التنظيمية والإمكانيات المادية، وأمام الضغط الأجنبي المتزايد.
إن النزاع حول السلطة القبلية،وتوزيع النفوذ داخل المجال القبلي للرحامنة،مكنا العيادي من إزاحة بعض منافسيه وتقليص مجال البعض الآخر.كما مكنته التحالفات خارج القبيلة من الاندماج مع نماذج قائدية حاول أن يجاريها في السلطة والثروة. مع بداية القرن العشرين كان مجرد محارب ضمن القبيلة التي تحالفت مع كلاوة ،وساعدتهم على نهب مسفيوة،والتوغل داخل الحوز، وإقامة قصبة « أيت أورير ». وبفطنته ودهائه تمكن من ربط علاقات مع أكبر قواد المنطقة الدين ساهموا في أهم الأحداث والتحولات التي عرفها المغرب.إن الانتماء إلى هذه القبيلة جعله يساهم بفعالية في النزاع بين القوى المتنافسة، وهذا يستدعي حضور فرضية الموقع كمحدد أساسي في تبلور السلطة القائدية.إن الموقع الاستراتيجي لقبيلة الرحامنة، جعلها حاضرة في كل فعالية سياسية لقربها من مدينة مراكش ليضاف الموقع إلى الأسس السابقة التي عملت على بلورة سلطة هذا القائد،والذي كان حاضرا ومشاركا في الأحداث السياسية التي تعرفها منطقة الحوز.وقد تدخل العيادي كوسيط بين خليفة السلطان بمراكش،والقائد الطيب الكندافي،عندما التجأ إليه هذا الأخير طلبا للحماية بعد أن تآمر عليه المتوكي والكلاوي،ومنعاه من الدخول إلى منطقته،فساعده العيادي على الالتحاق بقصبته الجبلية آمنا.(3)
لم تكن السنوات الأولى من القرن العشرين يسيرة بالنسبة لهؤلاء القواد لإثبات مشروعيتهم،فقد دعاهم المخزن لمواجهة تمرد الروكي بوحمارة وما نتج عنها من فتنة بين القبائل.واستطاع العيادي أن ينتقل من محارب قبلي إلى محارب مخزني جعل خبرته في خدمة المخزن،واندمج في التحالفات مع رؤساء الجنوب الكبار.ساهم مع قواد الحوز في الحركة المخزنية التي كان على رأسها المدني الكلاوي ضد الروكي بوحمارة قرب مدينة تازة،وكانت هذه مهمته المخزنية الأولى خارج منطقته،ويؤكد المختار السوسي هذه المساهمة في قوله: « لما استرد بوحمارة قوته وتوجه نحو فاس،كان جيش عظيم من الحوز فيه القائد العيادي وعبد المالك المتوكي والقائد خبان وأمثالهم من كبار الحوزيين يقاتلونه فلم يقدروا منه على شيء جوار الحياينة ».(4)
بعد تنصيب المولى عبد الحفيظ بمدينة مراكش سلطانا على المغرب، ناصره العيادي ومجموعة من القواد باعتباره السلطان الوطني الذي سيواجه التدخل الفرنسي بالمغرب.وشاركت قبيلة الرحامنة في المحلة التي أرسلها المخزن إلى الشاوية لصد الفرنسيين وحاولت جلب تأييد قبائل المنطقة للسلطان الجديد. و هذا الموقف المؤيد للمولى عبد الحفيظ استفاد منه القائد العيادي مثل غيره من القواد المناصرين له،واعترافا بهذه الخدمات حصل العيادي على ظهير تعيينه قائدا سنة 1909م ضمن أربعة من القواد الآخرين على قبيلة الرحامنة ،فعلا اسمه وذاع صيته و نافس كبار قواد الحوز و الأطلس مثل المتوكي و الكلاوي و الكندافي.يقول صاحب المعسول : « كانت القبيلة الرحمانية هي باب مراكش من الشمال،و كان لها قواد متعددون، كانوا كلهم في مطلع الدولة الحفيظية منهم القائد عبد السلام البر بوشي و القائد بن الطاهر و القائد العيادي،و كان للأخير شفوف عليهم جميعا من نواح شتى،و قد برز بروزا عظيما في الدولة الحفيظية ثم كان له مقام عظيم حين انهزام الجيش العزيزي و بعد الحرب المتوكية الشهيرة،فعلا اسمه،وصار يذكر بين الكلاويين و المتوكيين و الكندافيين ».(5)
هذه المرحلة التاريخية تؤكد أهمية العامل السياسي،والتفاعل مع المخزن اللذين ساهما في بسط سلطة العيادي الرحماني على القبيلة،انه قائدا حفيظي وقادم جديد بدأت سلطته مع هذه الفترة،و كان من القواد الذين رافقوا السلطان إلى فاس مع المدني الكلاوي وعبد المالك المتوكي وعيسى بن عمر العبدي و عمر السكتاني.(6)
لقد كان مسار القائد العيادي من القبيلة إلى المخزن قد تأسس على الأسرة و الزطاطة، وموقع المجال الرحماني القريب من مدينة مراكش ثم التحول السياسي الذي عرفه المغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين .انه نموذج قائدي كبير لا يقل قيمة عن بقية النماذج التي عرفها العالم القروي،استطاع بفعل سلطته أن ينظم المجال الاقتصادي و السياسي لقبيلة الرحامنة،و يدمجها في مالية المخزن،و يمهد الطريق أمام انفتاحها على الاقتصاد الاستعماري.
انه برز ضمن القواد والأدعياء الذين ظهروا في فترة متزامنة مع نهاية القرن التاسع عشر،و إلى حدود بداية الفترة الاستعمارية، والذين استغلوا هذه الظرفية التاريخية لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الفردية،وكانت نهايتهم مختلفة،فبينما انتهى البعض إلى مجرد قاطع طريق،تمكن البعض من الحصول على لقب قائد. أصبح العيادي قائد خمسة أخماس،و وسع سلطته على كل مناطق الرحامنة ،و أزاح منافسيه، ونافس باقي القواد الذين عاصرهم مثل:الكلاوي و المتوكي و الكندافي و عيسى بن عمر العبدي، من خلال تنظيم مجال قيادته وتوسيع ملكيته العقارية ونمط حياته الاجتماعية،وهي المعالم التي سنحاول إبرازها لتشخيص هذا النموذج.
لقد نظم قيادته بان أعطى حرية أكبر لأفراد عائلته الذين تصدروا المناصب.بعد أن توسعت سلطته، استطاع أن ينظم مجال القبيلة بتعيينه لحاشية من المستشارين،و الخلفاء، و الكتاب،و الجلساء،و الشيوخ،اغلبهم ينتمون لعائلته أو لعشيرته.و الذين شكلوا معه جهازا منظما جلب له المهابة و التوقير لدى العامة، و عمل على تسيير القبيلة و تنفيذ أوامره.
تجلي هذا التنظيم القائدي في تقسيم القبيلة إلى مناطق إدارية و جعل خليفة من أفراد أسرته على رأس كل دائرة. لأن هذا المنصب كان حكرا على أسرة القائد،و وفاة الواحد منهم كان يفسح الفرصة لفرد آخر من أقربائه نظرا لأهمية المنصب في التنظيم القائدي.وهذا يجعلنا نستنج أن النظام القائدي ساهم في سيطرة الأسرة الواحدة و نشر سلطاتها على القبيلة.(*)
إضافة إلى الخلفاء هناك الشيوخ الذين كانوا يساعدونه على تسيير شؤون القبيلة، وكانت وظيفتهم أساسية لجباية الضرائب و السهر على تحقيق مصالح القائد كالتويزة داخل كل جزء من القبيلة.كما أن تكليف الشيخ يشكل مصدرا ماليا للقائد،لأن هؤلاء يشترون هذه المناصب التي تمنحهم فرصة الإثراء و توسيع ممتلكاتهم العقارية.(*)
لقد امتلك هؤلاء الشيوخ قيمة اجتماعية داخل النظام القبلي لأنهم يشكلون ركنا هاما داخل التنظيم القائدي.و من خلال هذه الأسماء نقف على حقيقة سوسيولوجية هي أن الأسرة القوية ذات النفوذ كانت تشتري هذا المنصب وتتوارثه أحيانا.و قد كانت من أثرى الفئات داخل القبيلة،و نظرا لقلة المحميين داخل الرحامنة،فقد حاول العيادي أن يتخذ الشيوخ من الأسر التي كانت لها علاقات تجارية مع الأجانب،أو من الأسر ذات النفوذ التي كان يسعى إلى تقريبها منه.و هذه العملية قلصت من تكاثر فئة المحميين بالرحامنة مقارنة مع منطقة الشاوية مثلا،بحيث كانت هذه الفئة تتشكل من الأغنياء التي تتهرب من أداء الضرائب وتنافس القواد.
هذا التنظيم الدقيق مكن القائد من أداء وظيفته، و خدمة المخزن،ونشر الأمن داخل القبيلة لأنه كان يفصل في النزاعات،و بممارسته تملك خبرة في حلها،و اشتهر بين الناس بحسن تدبيره وحكمته رغم انه لم يتلق تعليما كافيا.كانت له مقرات متعددة يستقبل بها الناس، الأول بمركز ابن جرير « دار القائد » و الثاني بقصبته « القليعة » غرب مركز الصخور الرحامنة، و الثالث برياضه داخل مدينة مراكش،إضافة إلى الأسواق الأسبوعية التي يزورها لحل نزاعات أهل القبيلة،و هذا مؤشر آخر على مدى نفوذه.
ترقبوا الأجزاء التالية قريبا إن شاء الله. مع خالص تشكراتنا للدكتور عمر الإيبوركي
Commentaires récents